فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قال مقاتل وغيره: نمسخهم قردة كما فعلنا ذلك بأوائلهم.
وقال أكثر المحققين: الأظهر حمل الآية على اللعن المتعارف، ألا ترى إلى قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} [المائدة: 60] ففصل تعالى هاهنا بين اللعن وبين مسخهم قردة وخنازير. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {من قبل أن نطمس وجوهًا} في طمس الوجوه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه إِعماء العيون، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك.
والثاني: أنه طمس ما فيها من عين، وأنف، وحاجب، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، واختيار ابن قتيبة.
والثالث: أنه ردّها عن طريق الهدى، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، ومجاهد، والضحاك، والسدي.
وقال مقاتل: من قبل أن نطمس وجوهًا، أي: نحوّل الملّة عن الهدى والبصيرة.
فعلى هذا القول يكون ذكر الوجه مجازًا.
والمراد: البصيرة والقلوب.
وعلى القولين قبله يكون المراد بالوجه: العضو المعروف.
قوله تعالى: {فنردها على أدبارها} خمسة أقوال:
أحدها: نُصيِّرُها في الأقفاء، ونجعل عيونها في الأقفاء، هذا قول ابن عباس، وعطيّة.
والثاني: نُصيِّرُها كالأقفاء، ليس فيها فم، ولا حاجب، ولا عين، وهذا قول قوم، منهم ابن قتيبة.
والثالث: نجعل الوجه منبتًا للشعر، كالقرود، هذا قول الفراء.
والرابع: نَنفيها مدبرة عن ديارها ومواضعها.
وإِلى نحوه ذهب ابن زيد.
قال ابن جرير: فيكون المعنى: من قبل أن نطمسَ وجوهَهم التي هم فيها.
وناحيتهم التي هم بها نزول، فنردها على أدبارها من حيث جاؤوا بديًّا من الشام.
والخامس: نردها في الضلالة، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والضحاك، والسدي، ومقاتل. اهـ.

.قال الألوسي:

{مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا} متعلق بالأمر مفيد للمسارعة إلى الامتثال لما فيه من الوعيد الوارد على أبلغ وجه وآكده حيث لم يعلق وقوع المتوعد به بالمخالفة ولم يصرح بوقوعه عندها تنبيهًا على أن ذلك أمر محقق غني عن الإخبار به؛ وأنه على شرف الوقوع متوجه نحو المخاطبين، وفي تنكير وجوه تهويل للخطب (مع) لطف وحسن استدعاء، وأصل الطمس استئصال أثر الشيء، والمراد آمنوا من قبل أن نمحو ما خطه الباري بقلم قدرته في صحائف الوجوه من نون الحاجب، وصاد العين، وألف الأنف، وميم الفم فنجعلها كخف البعير أو كحافر الدابة، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وقال الفراء والبلخي وحسين المغربي: إن المعنى آمنوا من قبل أن نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة.
{فَنَرُدَّهَا على أدبارها} أي فنجعلها على هيئة أدبارها وإقفائها مطموسة مثلها فإن ما خلف الوجه لا تصوير فيه وهو منبت الشعر أيضًا؛ والعطف بالفاء إما على إرادة نريد الطمس، أو على جعل العطف من عطف المفصل على المجمل، وعن عطية العوفي: أن المراد ننكسها بعد الطمس بجعل العيون التي فيها وما معها في القفا، فالعطف بالفاء ظاهر، وقيل: المراد بالوجوه الوجهاء على أن الطمس بمعنى مطلق التغيير أي من قبل أن نغير أحوال وجهائهم فنسلب وجاهتهم وإقبالهم ونكسوهم صغارًا وإدبارًا، أو نردهم من حيث جاءوا منه وهي أذرعات الشام، فالمراد بذلك إجلاء بني النضير، وإلى هذا المراد ذهب ابن زيد، وضعف بأنه لا يساعده مقام تشديد الوعيد وتعميم التهديد للجميع.
وقد اختلف في أن الوعيد هل كان بوقوعه في الدنيا أو في الآخرة، فقال جماعة: كان بوقوعه في الدنيا وأيد بما أخرجه ابن جرير عن عيسى بن المغيرة قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال: أسلم كعب في زمان عمر رضي الله تعالى عنه أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال: يا كعب أسلم قال: ألستم تقرءون في كتابكم: {مَثَلُ الذين حُمّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]؟ وأنا قد حملت التوارة فتركه، ثم خرج حتى انتهى إلى حمص فسمع رجلًا من أهلها يقرأ هذه الآية فقال: رب آمنت رب أسلمت مخافة أن يصيبه وعيدها، ثم رجع فأتى أهله باليمن ثم جاء بهم مسلمين، وروي أن عبد الله بن سلام لما قدم من الشام وقد سمع هذه الآية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله فأسلم، وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي إلى قفاي، ثم اختلفوا فقال المبرد: إنه منتظر بعد ولابد من طمس في اليهود ومسخ قبل قيام الساعة، وأيد بتنكير وجوه، والتعبير بضمير الغيبة فيما يأتي، واعترضه شيخ الإسلام بأن انصراف العذاب الموعود عن أوائلهم وهم الذين باشروا أسباب نزوله وموجبات حلوله حيث شاهدوا شواهد النبوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبوها وفي التوراة فحرفوها وأصروا على الكفر والضلالة، وتعلق بهم خطاب المشافهة بالوعيد ثم نزوله على من (وجه بعد ما فات) من السنين من أعقابهم الضالين بإضلالهم (العاملين) بما مهدوا من قوانين الغواية بعيد من حكمة العزيز الحكيم، والجواب بأن عادة الله سبحانه قد جرت مع اليهود بأن ينتقم من أخلافهم بما صنعت أسلافهم وإن لم يعلم وجه الحكمة فيه على تقدير تسليمه لا يزيل البعد في هذه الصورة، وقال الطبرسي: إن هذا الوعيد كان متوجهًا إليهم لو لم يؤمن أحد منهم، وقد آمن جماعة من أحبارهم فلم يقع ورفع عن الباقين، واعترض أيضًا بأن إسلام البعض إن لم يكن سببًا لتأكد نزول العذاب على الباقين لتشديدهم النكير والعناد بعد ازدياد الحق وضوحًا وقيام الحجة عليهم بشهادة أماثلهم العدول فلا أقل من أن لا يكون سببًا لرفعه عنهم، وقيل: في الجواب إنه إذا جاز أن ينزل سبحانه البلاء على قوم بسبب عصيان بعض منهم كما يشير إليه قوله تعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] فلأن يجوز أن يرفع ذلك عن الكل بسبب طاعة البعض من باب أولى لأنه سبحانه الرحمن الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه.
وقد ورد في الأخبار ما يدل على وقوع ذلك، ودعوى الفرق مما لا تكاد تسلم.
وقيل: كان الوعيد بوقوع أحد الأمرين كما ينطق به قوله تعالى: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أصحاب السبت} فإن لم يقع الأمر الأول فلا نزاع في وقوع الأمر الثاني فإن اليهود ملعونون بكل لسان وفي كل زمان، فاللعن بمعناه الظاهر؛ والمراد من التشبيه بلعن أصحاب السبت الإغراق في وصفه، واعترض بأن اللعن الواقع عليهم ما تداولته الألسنة وهو بمعزل من صلاحيته أن يكون حكمًا لهذا الوعيد أو مزجرة عن مخالفة للعنيد، فاللعن هنا الخزي بالمسخ وجعلهم قردة وخنازير كما أخرجه ابن المنذر عن الضحاك وابن جرير عن الحسن، ويؤيده ظاهر التشبيه، وليس في عطفه على الطمس والرد على الأدبار شائبة دلالة (عدم) على إرادة ذلك ضرورة أنه (تعبير) مغاير لما عطف عليه، والاستدلال على مغايرة اللعن للمسخ بقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} [المائدة: 60] لا يفيد أكثر من مغايرته للمسخ في تلك الآية، وذهب البلخي والجبائي إلى أن الوعيد إنما كان بوقوع ما ذكر في الآخرة عند الحشر وسيقع فيها أحد الأمرين أو كلاهما على سبيل التوزيع.
وأجيب عما روي عن الحبرين الظاهر في أن ذلك في الدنيا بأنه مبني على الاحتياط وغلبة الخوف اللائق (بشأنها)، وقد ورد «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الدخول والخروج في الحجرات ولا يكاد يقر له قرار إذا اشتد الهواء، ويقول: أخشى أن تقوم الساعة» مع علمه صلى الله عليه وسلم بأن قبل قيامها القائم وعيسى عليه السلام والدجال عليه اللعنة والدابة وطلوع الشمس من مغربها إلى غير ذلك مما قصه صلى الله عليه وسلم علينا، وجوز بعضهم على تقدير كون الوعيد بالوقوع في الآخرة أن يراد بالطمس والرد على الأدبار الختم على العين والفم والطبع عليهما، فقد قال الله تعالى: {لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} [ياس: 66] و{اليوم نَخْتِمُ على أفواههم} [ياس: 65] وجوز نحو هذا بعض من ادعى أن ذلك في الدنيا فقال: إن المعنى آمنوا من قبل أن نطمس وجوهًا بأن نعمي الأبصار عن الاعتبار، ونصم الأسماع عن الإصغاء إلى الحق بالطبع، ونردها عن الهداية إلى الضلالة.
وروي ذلك عن الضحاك وأخرجه أبو الجارود عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه، والحق أن الآية ليست بنص في كون ذلك في الدنيا أو في الآخرة بل المتبادر منها بحسب المقام كونه في الدنيا لأنه أدخل في الزجر، وعليه مبنى ما روي عن الحبرين لكن لما كان في وقوع ذلك خفاء واحتمال أنه وقع ولم يبلغنا على ما في [التيسير] مما لا يلتفت إليه، ورجح احتمال كونه في الآخرة، وأيًا مّا كان فلعل السر في تخصيصهم بهذه العقوبة من بين العقوبات كما قال شيخ الإسلام مراعاة المشاكلة (بينها) وبين ما أوجبها من جنايتهم التي هي التحريف والتغيير والفاعل والراضي سواء، والضمير المنصوب في نلعنهم لأصحاب الوجوه، أو للذين على طريق الالتفات لأنه بعد تمام النداء يقتضي الظاهر الخطاب، وأما قبله فالظاهر الغيبة، ويجوز الخطاب لكنه غير فصيح كقوله:
يا من يعز علينا أن نفارقهم ** وجداننا كل شيء بعدكم عدم

. اهـ.

.قال الفخر:

قال ابن عباس: يريد لا راد لحكمه ولا ناقض لأمره، على معنى أنه لا يتعذر عليه شيء يريد أن يفعله، كما تقول في الشيء الذي لا شك في حصوله: هذا الأمر مفعول وإن لم يفعل بعد.
وإنما قال: {وَكَانَ} إخبارًا عن جريان عادة الله في الأنبياء المتقدمين أنه مهما أخبرهم بإنزال العذاب عليهم فعل ذلك لا محالة، فكأنه قيل لهم: أنتم تعلمون أنه كان تهديد الله في الأمم السالفة واقعا لا محالة، فاحترزوا الآن وكونوا على حذر من هذا الوعيد، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا} أي كائنًا موجودًا.
ويراد بالأمر المأمورُ فهو مصدر وقع موقع المفعول؛ فالمعنى أنه متى أراده أوجده.
وقيل: معناه أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وكان أمر الله مفعولًا} الأمر هنا واحد الأمور، واكتفى به لأنه دال على الجنس، وهو عبارة عن المخلوقات: كالعذاب، واللعنة، والمغفرة.
وقيل: المراد به المأمور، مصدر وقع موقع المفعول، والمعنى: الذي أراده أوجده.
وقيل: معناه أنَّ كل أمر أخر تكوينه فهو كائن لا محالة والمعنى: أنه تعالى لا يتعذر عليه شيء يريد أن يفعله.
وقال: وكان إخبارًا عن جريان عادة الله في تهديده الأمم السالفة، وأنَّ ذلك واقع لا محالة، فاحترزوا وكونوا على حذر من هذا الوعيد.
ولذلك قال الزمخشري: ولابد أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا يعني: الطمس واللعنة. اهـ.